كيف بدأ الموضوع:
خلال الاسبوع الاول من اطلاق ايفون٦ و ٦ بلاس في امريكا و بعض الدول، بدأت بعض الشكاوى في الظهور على السطح بخصوص الايفون الجديد، و بالتحديد نسخة البلاس من الجهاز. و تتلخص الشكاوى في انحناء الجهاز في جيوب بعض المستخدمين ممن قد اعتادوا على وضع الهاتف في جيوب بنطلوناتهم. و ما إن تبادر الموضوع إلى ”لو“ صاحب قناة ”Unbox Therapy“ في اليوتيوب، حتى عزم على تجربة ثني الجهاز بيديه ليتأكد من الموضوع، و فعلاً استطاع ”لو“ أن يثني الجهاز بيديه، و حقق مقطع الفيديو الذي نشره في قناته ملايين المشاهدات، حتى وصل العدد وقت كتابة هذه السطور الى اكثر من ٥٧ مليون مشاهدة.
و من هنا أصبح هذا الموضوع حديث الكبير و الصغير في كافة ارجاء العالم، و اصبح مادة دسمة للتندر و اطلاق النكات في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تم إطلاق اسم “bendgate” على هذه الظاهرة، و اصبح هذا “الهاش تاق” نشطاً في جميع وسائل التواصل الاجتماعي، كما استغله البعض من مؤيدي هواتف الشركات الاخرى في النيل من جهاز ابل و الدعوة الى عدم شرائه.
بدوري قمت بالبحث في هذا الموضوع، لأقف على حقيقة الموضوع، مع تحديد مدى و تأثيره على مالكي الجهاز، و ارتأيت التأني في ذلك طلباً للدقة.
رد أبل على الموضوع:
قامت بعض المواقع و الجهات المهتمة بمراسلة أبل بخصوص الموضوع، و جاء جواب أبل بعد عدة أيام ببيان ذكرت فيه أن المشكلة فعلاً موجودة، إلا أنها نادرة الحدوث، حيث أنه تم بيع ملايين النسخ من الجهاز، و لم تصل للشركة أكثر من ٩ شكاوٍ حول الموضوع، كما دعت الشركة من يتأثر جهازه بالمشكلة إلى مراجعة احد متاجرها لاستبدال الجهاز بعد المعاينة و التأكد من عدم وجود ما يثبت اي سوء للاستخدام.
كما قامت الشركة بخطوة اخرى تمثلت في دعوة عدد من الصحفيين للدخول الى معامل الاختبار الخاصة بها، لرؤية الاختبارات التي تقوم بها الشركة للتأكد من صلاحية اجهزتها للاستخدام و قوة بنيتها. و عرضت الشركة لهم اكثر من اختبار لجهاز ايفون ٦ بلاس، لعل أهمها هو اختبار الضغط على الجهاز في ثلاث نقاط (طرفي الجهاز من الاسفل و منتصف الجهاز من الاعلى)، و قد نقل الصحفيون صوراً و مقطعاً من الفيديو لهذه الاختبارات التي بينت أن الجهاز يتحمل ضغطاً على منتصفه مقداره ٢٣ كيلوجراماً دون أن يتعرض لأي ضرر.
هل يمكن ان نثني الآيفون ٦ بلاس؟
الجواب المختصر لهذا السؤال: نعم. يمكن أن نثني هذا الجهاز، و لعلنا إن حاولنا أن نثني أيضاً بعض الأجهزة التي تنتجها شركات أخرى لأمكن ذلك، لكن كم من مقدار الجهد و الضغط يكفي لكي نثني جهاز ايفون ٦ بلاس؟ و كم يلزم للوصول لنفس النتيجة مع الاجهزة المنافسة؟ إلى أي مقدار من الممكن أن يصمد الايفون ٦ بلاس مع الاستخدام الطبيعي أو الاستخدام الثقيل؟ و كيف نقارن ذلك بالأجهزة المنافسة؟ سأحاول الإجابة عن هذه الأسئلة في الأسطر القادمة.
ملاحظات على موضع انثناء الآيفون ٦ بلاس:
لو تتبعنا جميع الصور و الفيديوهات التي صدرت حول الموضوع، فسوف نلحظ نقطة التقاء بينها جميعاً، و هي أن الجهاز في حال انثنائه، دائماً ما تكون المنطقة أسفل ازرار التحكم بالصوت من اليسار، و كذلك أسفل فتحة بطاقة السيم من جهة اليمين هي نقطة انثناء الجهاز، و هذا لم يكن ليحدث بفعل الصدفة، و إنما لذلك أسبابه التي سنركز عليها في الأسطر التالية.
لماذا ينثني الجهاز؟ أين نقطة الضعف؟
أعتقد أنه من الواضح لدى عموم الناس أن اجهزة أبل الحديثة تصنع من معدن الالمنيوم. و تسوق أبل أن الألمنيوم معدن يعطي طابع الفخامة لأجهزتها، و هذا الكلام صحيح، و علاوة على الفخامة، فإن الألمنيوم يتميز بخفة الوزن، و هو ما يتساوق مع توجه الشركة بتقديم الأنحف و الأخف. لكن الألمنيوم معدن طيع، و لا يمتلك الصلابة التي تتميز بها معادن أخرى كسبائك المغنيسيوم (magnesium alloys) مثلاً، و لهذا السبب قامت ابل بتطعيم الجهاز من الداخل بتدعيمات من معدن التيتانيوم، لزيادة صلابته، و تعزيز تماسكه.
و علاوة على أن هيكل الجهاز الخارجي مصنوع من الألمنيوم، فإن هناك نقاط ضعف في الجهاز، و نعني بها فتحات ازرار التحكم بالصوت من الجهة اليسرى، و فتحة ادخال بطاقة سيم من الجهة اليمنى. و لو قسنا المسافة بين أزرار التحكم بالصوت و الشاشة (الأسهم الحمراء في الصورة أعلاه)، فإننا سنجد أن سمك الألمنيوم في هذه المنطقة بالذات حوالي ١.٥ ملمتر تقريباً، و هذه النقطة بالذات هي التي يبدأ انثناء الجهاز فيها عند تعرضه للضغط الشديد، بل أن هذه المنطقة قد تتعرض للكسر إن تجاوز الإنثناء حداً معيناً.
و لتسليط المزيد من الضوء على الموضوع، فلنلق نظرة فاحصة على الجانب الداخلي من الجهاز:
الصورة أعلاه تم توفيرها من موقع ifixit الغني عن التعريف و المتخصص في تفكيك الأجهزة في بداية طرحها في الأسواق، للتعرف على مكوناتها، و تقييمها من ناحية قابليتها للفتح و التصليح.
كما نلاحظ توجد امتداد الجانب الداخلي الجهاز التدعيمات المعدنية التي أشرنا إليها. إلا أننا نلاحظ أن هذه التدعيمات متقطعة و توجد مسافات بينها، و لعل الهدف من هذه المسافات هو للمساعدة على تثبيت الشاشة في مكانها. الفراغات بين التدعيمات المعدنية هي الثغرات التي يمكن ثني الجهاز عندها، و بالخصوص منطقة ازرار التحكم بالصوت، حيث أن هناك دعامة معدنية تغطي منطقة الزرين المذكورين، و تنتهي أسفلهما مباشرة، هذا الفراغ هو أول مكان يتعرض للإنثناء عند الضغط، كما أن البرغي المستخدم في تثبيت هذه الدعامة و التي تنتهي أسفل زر خفض الصوت، يعمل كمحور لانثناء الجهاز.
نقطة أخرى هي أن البطارية التي تستخدمها أبل هي ذات غلاف رقيق، و لعل السبب في استخدام هذا النوع من البطاريات هو السعي وراء النحافة، فالبطارية ذات الغلاف البلاستيكي الصلب لا بد و أنها ستزيد من سمك الجهاز. و لو تأملنا في بعض المقاطع التي تم ثني الآيفون٦ بلاس فيها، فلاشك بأننا سنلحظ أن البطارية تنثني مع انثناء الجهاز، و نستطيع أن نقول هنا أن أبل كان بإمكانها تقوية جهازها باستخدام بطارية صلبة.
اختبار مجلة Consumer Reports
كمبادرة من مجلة Consumer Reports لوضع هذا الموضوع تحت المجهر و دراسته بشكل علمي، و لوضع النقاط على الحروف و توضيح تفاصيل الموضوع بالأرقام، لا بالعاطفة و الجمل الإنشائية، قامت المجلة بعمل اختبار مماثل لاختبارات أبل، و إلا أن الإختلاف هو أن اختبار المجلة يهدف إلى تبيان كم من الضغط يتحمل الجهاز الجديد قبل أن ينثني بشكل دائم، بدلاً من الاكتفاء بتعريض الجهاز الى ضغط مقداره ٢٣ كيلوجراماً كما فعلت أبل. و لغرض المقارنة قامت المجلة بتطبيق نفس الاختبار على عدد من الأجهزة المنافسة، و من بينها جهاز أبل السابق iphone 5s. فلنلق نظرة على النتائج التي توصل إليها الاختبار.
الجهاز
|
انحناء الجهاز عند ضغط
|
تحطم الجهاز عند ضغط
|
Samsung Galaxy Note 3
|
٦٨ كيلوجرام
|
٦٨ كيلوجرام
|
LG G3
|
٥٩ كيلوجرام
|
٥٩ كيلو
|
iPhone 5
|
٥٩ كيلوجرام
|
٦٨ كيلوجرام
|
iPhone 6 Plus
|
٤١ كيلوجرام
|
٥٠ كيلوجرام
|
iPhone 6
|
٣٢ كيلوجرام
|
٤٥ كيلو
|
HTC One M8
|
٣٢ كيلوجرام
|
٤١ كيلو
|
إذن يتحمل الجهاز أكثر بكثير من الاختبار الذي وضعته شركة أبل، و يتطلب الأمر ضغطاً كبيراً على الجهاز لينثني، صحيح أن هناك من الأجهزة ما يتفوق في موضوع الانثناء على آيفون ٦ بلاس، لكن الجهاز يعد قوياً و يستطيع الصمود في معظم سيناريوهات الاستخدام العادية. لكن لماذا استطاع ”لو“ من قناة Unbox Therapy ثني الآيفون مرتين متتاليتين بيديه؟ و نفس الأمر ينطبق على فيديوهات أخرى تمكن أصحابها من ثني الآيفون٦ بلاس.
لو لاحظنا، فإن ”لو“ نفسه الذي قام بثني الآيفون مرتين، لم يستطع ثني الآيفون٦ العادي، على الرغم من أن اختبارات مجلة Consumer Reports أثبتت بالدلائل و الأرقام بأن النسخة العادية من الآيفون٦ هي الأضعف و بفارق ملحوظ، و لعل ذلك يعزى الى أن نسخة البلاس أكثر سماكة بأجزاء من الملمتر. فما الذي يجعل الآيفون٦ بلاس عرضة للانثناء دون النسخة العادية من الجهاز؟
واقعاً فإن نسخة البلاس من الجهاز هي الأقوى فعلاً، إلا أن السر يكمن في حجم الجهاز، فالحجم الأكبر يسهل كثيراً عملية ثني الجهاز، و لتشبيه الأمر يمكننا تجربة كسر قلمي رصاص أحدهما قصير و الآخر طويل، فقلم الرصاص الأطول أسهل في الكسر من القلم القصير، نفس الكلام ينطبق على الآيفون٦ بلاس و الآيفون٦ العادي.
اختبار مجلة Computer Bild
بعد اختبارات ابل و مجلة Consumer Reports احتج بعض الخبراء بأن هذه الاختبارات ليست ذات مصداقية، و ذلك لسبب بسيط و هو أن جميع هذه الاختبارات تقيس قوة الجهاز في وسطه، مع العلم أن جميع حالات انثناء الآيفون التي حصلت كلها تشير إلى أن نقطة ضعف هيكله تكمن في المنطقة التي تقع أسفل أزرار التحكم بالصوت.
فتصدت إلى عمل هذا الاختبار الجديد مجلة Computer Bild التي تصدر بالألمانية. فأجرت الاختبار و توصلت إلى نتائج مثيرة نلخصها في الجدول الآتي:
الجهاز
|
الضغط اللازم لثني الجهاز
|
مقدار الانثناء
|
iPhone 6
|
٣٠ كيلوجرام
|
٢ مم
|
iPhone 6 Plus
|
٣٢ كيلوجرام
|
١.٥ مم
|
من خلال هذه التجربة يتبين لنا مرة أخرى أن جهاز الآيفون٦ بلاس هو فعلاً النسخة الأكثر صلابة من الجهاز، إلا أن التجربة قد أثبتت أيضاً أنه عند تركيز الضغط عند نقطة ضعف الجهاز فإن قابليته للانثناء أكبر بفارق ملحوظ عن الاختبارات السابقة، و هو ما يعني أن حالات الانثناء التي تم التبليغ عنها في الأيام الأولى من إطلاق الجهاز ليس سببها تعرض الجهاز للضغط فقط، بل تعزى إلى تركز الضغط على أضعف نقطة في الجهاز و هي المنطقة الواقعة أسفل ازرار التحكم بالصوت مباشرة.
و لو عدنا أن المقطع الذي نشره ”لو“ في قناته على اليوتيوب، لوجدنا أنه صحيح أن ”لو“ يبدو و كأنه يوجه الضغط بأصابعه على وسط الجهاز، إلا أن الحقيقة أن الضغط في الواقع يتركز على نقطة ضعف الجهاز، حيث أن الجزء الأكثر صلابة في إبهامه (و هو عظمة مفصل الإبهام) يقع تماماً في أضعف منطقة من جسم الجهاز.
يبقى سؤال واحد، و هو هل تستطيع اليدان أن تحدثا ضغطاً يوازي ٣٢ كيلوجرام ليتمكن ”لو“ أن يثني الآيفون بيديه؟ الإجابة على هذا السؤال هي: نعم، و لعل أبسط طريقة للتأكد من ذلك هي تجربة ذلك على أي ميزان من النوع الذي يستخدمه الناس لمعرفة أوزانهم، فبتركيز الجهد يمكن الوصول إلى حدود ٣٠ كيلوجرام أو تخطي ذلك، علماً بأن احداث ذات الضغط على الآيفون٦ بلاس أسهل بكثير، كونه نحيفاً و يمكن الإحاطة به بالإصابع بسهولة أكبر من فعل ذلك مع الميزان.
خلاصة القول
مع مرور ما يقرب من الشهرين على إطلاق الآيفون الجديد بنسختيه، و بمقارنة المبيعات الضخمة التي حققها مع الشكاوى التي اطلقها البعض من انثناء الايفون٦ بلاس، يتبين لنا أن نسبة حصول المشكلة صغيرة، بل ربما تصل إلى حدود الندرة التي تحدثت أبل عنها في تعليقها على الموضوع.
الجهازان الجديدان أكثر نحافة و أكبر حجماً من نسخة العام الماضي من الجهاز، و من الطبيعي أن يكون الجهاز الجديد (خصوصاً نسخة البلاس) أكثر عرضة للانثناء مع التعرض للضغط، خصوصاً و أنه مصنع من معدن الألمنيوم الخفيف و المرن، و أيضاً لأنه ليس مدعوماً من الداخل بهيكل من المعدن القوي، و إنما تمت الاستعاضة عن ذلك بتدعيمات من التيتانيوم، و هو ما جعله أضعف من منافسيه، و هذه ضريبة الإصرار على الخفة و النحافة، مع استخدام معدن الألمنيوم الذي يعطي لمسة من الفخامة للجهاز.
في الظروف المعتادة و عند أغلب المستخدمين، لن تكون هناك أية مشكلة، و سيكون الجهاز في وضع أفضل بكثير في حال استخدامه مع غطاء يملك شيئاً من القوة، حيث أن الغطاء سيقوم بمهتين، و هما أنه سيزيد من قوة الجهاز بصورة مباشرة، و من ناحية أخرى سيقوي الجهاز بشكل غير مباشر عبر توزيع أي ضغط يتعرض له الجهاز على كامل الجهاز، فيخف أثر هذا الضغط.
أما من يكون استخدامه مع الجهاز يتسم بعدم الاهتمام، و الاستخدام في ظروف تتضمن ضغطاً كبيراً على الجهاز، كمن يحتفظ بجهازه في جيوب بنطلونات الجينز الضيقة، و لا يجد مشكلة في الجلوس عليه، أو القيام بحركات تشكل ضغطاً مباشراً على الجهاز، بدون تعزيزه بغطاء جيد، فنصحيتنا له أن يفكر جيداً قبل اختيار الآيفون٦ بلاس، فقد يكون الآيفون٦ العادي أو أي من الهواتف الأخرى أنسب لاستخدامه.