ربما مر عليكم مصطلح Thermal Throttling أثناء قراءتكم لبعض المراجعات الخاصة بأجهزة الكمبيوتر المختلفة و معالجتها، فهذه التقنية أضحت جزءاً لا يتجزء من أداء المعالجات الحديثة، فما هي هذه التقنية؟ ما علاقتها بالأداء؟ و ما هي أهميتها في أجهزتنا.
مقدمة عامة:
في بدايات عصر الكمبيوتر، كانت الأجهزة ذات أداء منخفض، و معلوم أن من أهم مقومات الأداء هو وحدة المعالجة المركزية (CPU أو المعالج). و يقوم المعالج بتنفيذ التعليمات و تشغيل البرامج المختلفة، و لضبط إيقاع كل شئ، فإنه يقوم بتقسيمها على دورات الساعة الخاصة به. و كلما زادت سرعة الساعة للمعالج كلما زادت قدرته على الإنجاز و بالتالي زادت سرعته (لمزيد من التفاصيل راجع مقال: سلسلة ثقافة جدول المواصفات: المعالج) . إلا أن لهذه السرعة ضريبتها، فمع تزايد السرعة تتزايد حرارة المعالج. في البداية لم تكن المعالجات بحاجة إلى مبدد حراري و لا إلى مروحة، لكن مع وصول التردد إلى ٦٦ ميجاهيرتز في المعالج 80486 DX2، بدأت الحاجة تبرز إلى تثبيت مبدد حراري و مروحة فوق المعالج.
و مع تقدم المعالجات و تطورها بدأت المبددات الحرارية و المراوح تكبر حجماً لتجاري حاجة المعالجات إلى التبريد. و قد لاحظت شركات المعالجات أن بعض المعالجات تعاني من الحرارة حتى مع استخدام المبدد الحراري و المروحة (التبريد الهوائي)، كما أن المروحة قد تتعطل أو قد يؤثر على أدائها الغبار، و من هناك جاءت فكرة تقنية الخنق الحراري (Thermal Throttling)، فكيف تعمل هذه التقنية؟
كسر بسيط لسرعة هذا المعالج العتيق أدت إلى احتراقه في غياب نظام حماية للمعالج – من مجلة بي سي ماغازين العربية – العدد الأول
تجربة أجراها موقع Tomshardware عام ٢٠٠١، احترق هذا المعالج من نوع AMD Athlon بسبب عدم وجود حماية ضد ارتفاع الحرارة
في المقابل لم يتعرض معالج بينتيوم٤ لأي ضرر و الفضل يعود لميزة الخنق الحراري
كيف تعمل تقنية الخنق الحراري؟
بداية نود الإشارة إلى أن هذه التقنية له اسم آخر إضافة للاسم Thermal Throttling، فبعض و المصادر تشير إليها أيضاً بالاسم Dynamic frequency scaling (أي التعديل المستمر للتردد).
و تعتمد تقنية الخنق الحراري على وجود حساس (sensor) لدرجة حرارة المعالج، يرسل معلومات بشكل مستمر حول ارتفاع و انخفاض درجة حرارة المعالج. و يتحمل المعالج درجات حرارة عالية قد تتجاوز ١٠٠ درجة مئوية. إلا أن ارتفاع درجة حرارة مع الاستخدام المستمرة لسنوات، قد تؤدي في النهاية إلى تقصير عمر المعالج. و من هنا تأتي تقنية الخنق الحراري، حيث أنها تعمل على مراقبة حرارة المعالج و حالما تصل الحرارة إلى حد معين (غالباً تكون في مكان ما بين ٩٠-١٠٠ مئوية)، فإن هذه التقنية تبدأ في العمل، فتبدأ في تخفيض تردد المعالج إلى الحد الذي يجعل درجة حرارة المعالج تستقر في المعدل المطلوب، و كلما ارتفعت درجة حرارة المعالج، كلما تطلب الأمر تخفيض التردد أكثر فأكثر. في المقابل كلما انخفضت درجة حرارة المعالج، كلما تمت زيادة التردد مرة أخرى وصولاً إلى التردد الأصلي للمعالج ( Base Clock Speed).
أما إذا واصلت درجة الحرارة في الارتفاع و لم يتم السيطرة عليها بخفض التردد، فإن المعالج يضطر إلى إطفاء نفسه، فيتوقف تشغيل الكمبيوتر، و ذلك للحفاظ على المعالج، و تجنب تعرضه للضرر بسبب الحرارة الزائدة.
يرسل حساس الحرارة قراءة مستمرة لدرجة حرارة المعالج، و في حالة تجاوز الحرارة الحد المسموح فإن المعالج يبدأ في خفض التردد
على العكس من تقنية Turbo Boost التي ترفع تردد المعالج سعياً لتحسين الأداء، فإن تقنية الخنق الحراري (Thermal Throttling) تعمل على خفض تردد المعالج للمحافظة على معدل صحي لدرجة حرارة المعالج.
كيف أعرف الحد الأعلى المسموح لدرجة حرارة المعالج؟
توفر شركة إنتل مواصفات مفصلة لمعالجاتها، و ما يهمنا من جميع تلك المعلومات هي مواصفة Tjunction أو Tjunction Max، و هذه المواصفة تختلف من معالج لآخر، و هي تعبر عن أعلى درجة الحرارة قبل أن يبدأ المعالج في تفعيل تقنية الخنق الحراري.
مواصفات المعالج Core i9 – 7900X و تظهر بينها مواصفة Tjunction
و إذا كنت من مستخدمي معالجات شركة AMD فيمكنك الاطلاع على مواصفات معالجك من خلال موقع الشركة، و ستجد درجة الحرارة القصوى المسموح بها للمعالج تحت بند Max Temps.
هل تتأثر سرعة معالج جهازي من هذه التقنية؟
ليست هناك إجابة محددة، فذلك يعتمد بالدرجة الأولى على التهوية و نظام التبريد داخل جهازك. إذا كان جهازك يتضمن نظام تبريد مميز (كالتبريد بالماء أو الغاز)، فإنك حتماً لن تواجه أي انخفاض في تردد المعالج، ببساطة لأن المعالج لن يتجاوز درجة الحرارة المسموح بها. أما إذا كنت تستخدم التبريد الهوائي، فتفعيل هذه التقنية يعتمد على مقدار الحرارة التي يولدها معالج جهازك و كفاءة نظام التبريد لديك و تهوية الجهاز. لهذا السبب فإن الأجهزة ذات الأداء العالي تكون ذات حجم كبير (صندوق كبير للكمبيوتر)، و السر في ذلك أن الحرارة العالية التي يولدها المعالج و بطاقة الشاشة تتطلب مساحة ليتم السيطرة عليها. الفائدة من الحجم الكبير لصندوق الكمبيوتر تكمن في تسهيل تدوير الهواء في الجهاز، و كذلك يوفر صندوق الكمبيوتر الكبير المساحة الكافية لاستخدام مبددات حرارية تتناسب من حيث الحجم مع الحرارة المتولدة داخل الجهاز. أما في حالة كسر سرعة المعالج، فقد يكون التبريد المائي أو التبريد بالغاز هو الخيار الأنسب للسيطرة على درجة حرارة المعالج، و عدم السماح بتخفيض تردد المعالج.
حجم صندوق الكمبيوتر الكبير يضمن مساحة أكبر للتبريد و تدوير الهواء
الأجهزة الأكثر عرضة لتخفيض ترددات معالجها عند زيادة الضغط على المعالج هي الأجهزة النحيفة، و خصوصاً أجهزة اللابتوب، فعند تزويد هذه الأجهزة بمعالج قوي مثل معالجات i7 و i9 ذات الترددات العالية و عدد الأنوية الكبير، فإن احتمالية ارتفاع درجات حرارتها تتزايد، خصوصاً مع المساحة الصغيرة جداً داخل الجهاز و التي تفرض استخدام مبددات و مراوح صغيرة تفرضها المساحة الداخلية للجهاز. و هذا هو أحد الأسباب التي تجعل مصنعي لابتوبات الألعاب لا يهتمون كثيراً لنحافة الجهاز، لأن الأولى هنا هو الاهتمام بنظام التبريد و كذلك حجم البطارية المناسبين لجهاز نهم لاستهلاك الكهرباء و مشع للحرارة.
في أجهزة اللابتوب النحيفة يكون تحدي السيطرة على حرارة المعالج كبيراً في ظل المساحة الضيقة للجهاز
الهواتف الذكية و الأجهزة اللوحية أيضاً عرضة لتخفيض تردد المعالج، فهي أجهزة فائقة النحافة، و يأتي بعضها بمعالجات ثمانية النواة أو حتى أكثر من ذلك. و هنا السبب لتخفيض تردد المعالج ليس فقط الحرارة، و إنما الحاجة لتوفير طاقة البطارية. لذلك فإن نظام إدارة الطاقة و الحرارة في الأجهزة ذكية يجب أن يكون في غاية الدقة، بحيث يتمكن الجهاز من تقديم أفضل موازنة بين طاقة المعالجة و الحرارة و استهلاك البطارية. و تفاوت ذكاء هذا النظام بين الأجهزة المختلفة، قد يفسر لنا كثير من الحالات التي يتفوق فيها معالج قد يبدو على الورق بأنه ذو مواصفات أقل من منافسيه. فالعبرة هنا ليس في قوة المعالج فقط، بل في طريقة إدارة هذه القوة و تحقيق أفضل توازن ممكن.
ما هو مستقبل هذه التقنية؟
هذه التقنية وجدت لتبقى، فأداء المعالجات في تزايد و تردداتها و عدد الأنوية في ازديات، و في الجهة المقابلة فإن أحجام الأجهزة بأنواعها المختلفة – من أجهزة مكتبية و محمولة- في انخفاض مستمر. و هذا يفرض إيجاد نظام صار يوازن بين الأداء و الانبعاث الحراري للمعالج، و استهلاك الطاقة بالنسبة للأجهزة المحمولة، لكن مع ارتفاع مستويات الأداء للمعالجات، قد نصل -كمستخدمين عاديين- إلى مرحلة لا نحتاج معها إلى لاستخدام نسبة صغيرة أو متوسطة من أداء المعالج معظم الوقت، بحيث لا نحس بانخفاض الأداء في أي لحظة من الاستخدام. أما المستخدمين المتقدمين فخيارهم الأجهزة كبيرة الحجم و جيدة التهوية و ممتازة التبريد التي تضمن لهم أنهم سيحافظون على كل قطرة من الأداء لأجهزتهم.