أعلنت شركة أبل في موتمرها السنوي للمطورين (WWDC20) عن خطتها لإحداث نقلة نوعية على صعيد أجهزة ماك، و ذلك بالانتقال من معالجات إنتل إلى معالجاتها الخاصة المبنية بمعمارية آرم، و قد أطلقت أبل على المعالجات الجديدة اسم أبل سيليكون. و عرضت أبل في المؤتمر جهاز ماك ميني بمعالج من إنتاجها، كما وفرت أجهزة مماثلة لمن يود من المطورين ليمكنهم البدء في تطوير برمجياتهم مبكراً استعداداً لطرح أبل لأجهزتها الجديدة.
لكن هذه الخطوة قد تترك لديكم الكثير من التساؤلات عن سبب هذا الانتقال و جدواه و ما يتوقع من ثمار له، في السطور التالية نجمل لكم وجهة نظرنا عن هذه النقلة.
أبل.. تاريخ من التحولات:
قرار أبل الأخير بالتحول عن معالجات إنتل ليس الأول، فلشركة أبل تاريخ حافل في هذا المجال. فلو عدنا بعقارب الساعة إلى عام 1984م عندما أطلقت شركة أبل أول أجهزة ماكنتوش، لرأينا أنها كانت تستخدم معالجات موتورولا و تحديداً سلسلة معالجات 68000. و استمر هذا الحال حتى عام 1994م حينما انتقلت أبل لمعالجات باور بي سي التي كانت تنتجها بالتعاون مع شركة IBM. ثم عادت في عام 2006م لتفاجئ الجميع بالانتقال إلى معالجات إنتل.
لماذا التحول؟ و لماذا الآن بالتحديد؟
فلنعد بالذاكرة إلى العام ٢٠٠٦م حين انتقلت أبل إلى معالجات إنتل تاركة معالجات باور بي سي خلف ظهرها، كان السبب الأول لهذا الانتقال هو الأداء. كانت معالجات باور بي سي معالجات مميزة في زمانها، لكن عندما وصلت إلى مرحلة تباطأ عندها تقدم الأداء، صار لزاماً على أبل البحث عن بديل أفضل، و تصادف في ذلك الوقت انتهاء حقبة معالجات بينتيوم٤ سيئة الصيت، و الإنتقال لمعمارية كور الواعدة.
وجدت أبل الوقت مناسباً جداً للحاق بركب معالجات إنتل، و بالفعل بعث ذلك روحاً جديدة في أجهزة ماك، فقد حصلت على مستويات أداء جديدة، مع مستقبل واضح مشرق لما لا يقل عن ١٠ سنوات إلى الأمام. هذا الانتقال لم يمنح أبل الأداء و القابلية للتطور فقط، بل منحها التوافقية شبه الكاملة مع أجهزة بي سي و برامج، فأصبح من الممكن تشغيل النظام ويندوز و برامجه بكل سهولة، و أبل استفادت من هذه النقطة جيداً لتسويق أجهزتها على محبي أجهزة بي سي و توسيع انتشارها أكثر في سوق الحواسيب الشخصية.
تعثر إنتل المتكرر سبب مشاكل حرارية لبعض أجهزة ماكبوك
لكن ربط مصيرها بيد شركة أخرى مثل إنتل، سبب لها الكثير من المشاكل و العقبات، فقد واجهت صعوبة في ضبط خططها مع شركة إنتل، خصوصاً مع تعثر إنتل في السنوات الأخيرة. و لعل من أبرز الأمثلة على هذا التحدي هو مشكلة الخنق الحراري الذي عانت منها أجهزة ماكبوك برو في الفترة الأخيرة، حيث اعتمدت أبل بأن إنتل ستحسن معالجاتها و تنقلها إلى عمليات تصنيع أصغر لتنخفض انبعاثاتها الحرارية و يرتفع أداؤها، و قد بنت على ذلك الآمال فأعادت تصميم أجهزتها بشكل أنحف،إلا أن الصدمة هي أن إنتل ظلت تفشل في تنفيذ وعودها، حتى وصلت شركات المعالجات الأخرى إلى ٧و ٥ نانومتر في حين أن إنتل لا تزال تراوح مكانها في ١٤نانومتر و مؤخراً ١٠ نانومتر.
تعثر معالجات إنتل سبب لأبل الكثير من الحرج، فكان من الصعب على أبل ضبط خطط منتجاتها لتتوافق مع مواعيد انتل غير المستقرة،و اضطرت لأكثر من مرة أن تطرح أجهزة ماك جديدة دون تحديث المعالج للجيل الأحدث.
استعدادات أبل للانتقال:
قرار أبل بالانتقال عن معالجات إنتل ليس وليد اللحظة، بل هو الحلقة الأخيرة ضمن سلسلة من الخطوات. أبل كانت تعلم أنها ستحتاج لترك إنتل في يوم ما، لذا فقد مهدت الطريق جيداً لهذه الخطوة.
عملت أبل لسنوات على تطوير معالجاتها، و كان العنوان في البداية هو هواتف آيفون، إلا أن الهدف أكبر من ذلك بكثير، فشركة أبل كانت تخطط منذ البداية إلى تطوير معالجاتها شيئاً فشيئاً حتى تصل إلى مستوى يمكن معه أن تقارع المعالجات المكتبية. و لعلنا نتذكر عندما أطلقت أبل معالج A7 و هو أول معالج بمعمارية ٦٤بت مصمم للأجهزة الذكية، كان هذا المعالج علامة فارقة في هذا المجال، و قد قدم نقلة نوعية كبيرة تفوق بها على جميع المعالجات في هذه الفئة بفارق كبير.
معالج A7 محطة هامة في تاريخ معالجات أبل
لم يكن هذا المعالج صدفة، بل كان من ضمن خطة معدة جيداً لتوفير سلسلة معالجات يمكن الاعتماد عليها لاحقاً في حواسيب ماك، ليتم استبدال معالجات إنتل في الوقت المناسب. و قامت أبل بتجربة هذه المعالجات جيداً عبر اجهزة آيباد التي أثبتت أنها تقدم قوة معالجة و رسوميات تنافس الأجهزة المكتبية.
ليست مجرد معالجات:
كما هو الحال بالنسبة لأجهزة أبل الذكية، فالمعالج هو واقعاً نظام كامل في رقاقة (SOC)، فرقاقة المعالج تشمل معالجاً رسومياً عالي الأداء و معالجاً متخصصاً في الذكاء الاصطناعي، و وحدة لتسريع تعلم الآلة، و وحدات متخصصة في التشفير و معالجات الصور و الفيديو و غيرهها. هذا التصميم هو ما نراه في الأجهزة الذكية المتوفرة حالياً.
ماذا ستجني أبل من اعتماد معالجاتها الخاصة؟
لاشك أن انتقال إنتل لاعتماد معالجاتها الخاصة سيأتي عليها بالكثير من المنافع، لا أقل من أنها ستتمكن أخيراً من ضبط جدولة إنتاج أجهزتها وفق خطة واضحة بحيث تكون هناك معالجات جديدة مع كل جيل من أجهزة ماك، و لتكون هذه المعالجات متوافقة مع ما تطرحه الشركة من هاردوير و برمجيات. بهذه الطريقة يمكن لأبل الوصول لتكامل غير مسبوق بين مكونات الجهاز، لضمان أعلى درجات الأداء و الاعتمادية و الأمان.
و ستكون الفرصة مواتية لأبل لتضيف ميزات جديدة تتعلق بالذكاء الاصطناعي و الواقع المعزز لأجهزتها، فمعالجات أبل مبنية من الأساس لتقدم هذه المميزات. معالجات أبل تتضمن معالجاً عصبياً و وحدة لتسريع تعلم الآلة متطورين، و يتم زيادة أداءهما مع كل جيل يتم طرحه.
تقنيات الذكاء الاصطناعي و الواقع المعزز.. إلى الماك
و إذا تمعننا في ما تقدمه أجهزة آيباد في هيكلها النحيف و أدائها الذي أصبح مظاهٍ لأجهزة اللابتوب القوية، يمكننا تصور ما يمكن لمعالجات أبل تقديمه من أداءٍ عالٍ و ضمن هيكل نحيف و خفيف.
و لعل الميزة الأكبر لهذا التحول هي البرمجيات و الألعاب، فقد عملت أبل لسنوات على جعل الأجهزة الذكية هي المنصة المفضلة لتشغيل البرمجيات و الألعاب، و لعل الكثير من الناس قد استغنوا عن حواسيبهم و اتجهوا لاستخدام الأجهزة الذكية كبديل، خصوصاً و أنها تلبي احتياجاتهم من تواصل و تصفح و تشغيل للبرامج و الألعاب، بل و حتى ممارسة هواياتهم من رسم و تصوير و قراءة و غيرها. استخدام معالجات أبل في الحواسيب سيمنحنا حواسيب أذكى من ذي قبل، و ستكون البرمجيات و الألعاب جاهزة للانطلاق منذ اليوم الأول، و لن يكون المستخدمون بحاجة لتعلم استعمال نظام جديد.
تخطط أبل لجعل أجهزة منصة الألعاب رقم ١
لزمن طويل ظلت الألعاب مرتبطة بأجهزة بي سي، لكن أبل قد تكون على وشك تغيير هذا المفهوم للأبد، فأجهزة ماك التي كان آخر ما يفكر فيه هواة الألعاب، ستتحول منذ اللحظة الأولى لإطلاقها لأكبر منصة للألعاب، حيث ستكون جميع ألعاب آيفون و آيباد متوافقة معها منذ اليوم الأول. ليس هذا فقط، بل ستمكنك أبل من اكمال اللعب أينما كنت، فيمكنك أن تبدأ اللعب باستخدام ماك مثلاً، لتخرج إلى الحديقة و تكمل اللعب باستخدام جهاز آيباد، ثم تخرج في مشوار، لتستغل أوقات انتظارك في اكمال اللعب باستخدام آيفون، و عندما تعود للمنزل فيمكنك تشغيل تلفزيون أبل لتواصل من حيث انتهيت.
جميع هذه الأجهزة ستصبح متكاملة مع بعضها أكثر من أي وقت مضى، و ستقدم أداءاً عالياً و تجربة استخدام غير مسبوقة، بدون التضحية بالوزن و الحجم كما تفعل أجهزة بي سي، أو بالمميزات العملية التي تفتقدها منصات الألعاب.
ما هو مستوى الأداء المتوقع؟
اكتسبت شركة أبل الكثير من الخبرة في تصميم المعالجات المتوافقة مع طاقم تعليمات ARM، و قدمت خلال السنوات الماضية أداءًا لافتاً سواءًا على صعيد الأداء الخام لمعالجاتها أو على صعيد الاقتصادية العالية في استهلاك الطاقة.
معالجات أبل الجديدة تعد بأداء عالٍ و استهلاك منخفض
لدينا الآن نموذج واحد يمكن أن الرجوع إليه، و هو جهاز DTK، الذي يستخدمه المطورون حالياً لتجهيز برمجياتهم استعداداً لإطلاق معالجات أبل الجديدة. الجهاز الموجود حالياً يعتمد المعالج A12Z، و هو نفس المعالج المستخدم في آيباد برو. و على الرغم من أن هذا المعالج مخصص لأجهزة آيباد، و أن أبل- بلا شك- عازمة على إطلاق عائلة معالجات جديدة خاصة لأجهزة ماك، إلا أن هذا المعالج يعطينا لمحة للأداء الذي يمكن توقعه من المعالجات الجديدة.
جهاز أبل الموجود لدى المطورين حالياً يعطينا لمحة لما يمكن توقعه من أداء لمعالجات أبل
بحسب اختبارات Geekbench 5، فإن المعالج A12Z يسجل حوالي ٤٦٥٠ نقطة في المتوسط. هذا الأداء يمكن مقارنته بمعالج i7 الموجود في جهاز ماكبوك برو ١٣بوصة ٢٠٢٠، علماً بأن معالج i7 المذكور من الجيل العاشر، أما معالج A12Z فينتظر قريباً أن يحل محله معالج أحدث لآيباد برو، و بحسب أرقام أبل، فيتوقع أن ينمو الأداء بمعدل ١٤٠٪ كما حدث مع معالج A14، و هذا يرفع الأداء ليتفوق على معالج i9 10910 الموجود حالياً في جهاز آيماك الأحدث.
و هذه فقط نقطة البداية لإمكانيات معالجات أبل، و المتوقع أكبر بكثير، و سنأتي على مزيد من التفصيل عبر دراسة تحليلية لمساحة الأداء المتوقعة لمعالجات أبل، ستأتيكم قريباً.